بسم الله الرحمن الرحيم
أرسل لي من أحب قصيدة أحبها خذوها إيمانية عاطرة الشذى مع التحفظ على بعض التجاوزات في بعض الأبيات ولكن راقتني عاطفته الإيمانية الجياشة رحمه الله رحمة واسعة :
:
في عام 1908 ولد الشيخ الشاعر الإيماني "ابراهيم بديوي" في محافظة البحيرة بمصر، وحصل على الدكتوراة من كلية اللغة العربية عام 1935م، ودرّس في المعاهد الدينية، ثم صار رئيس "جمعية الشبان المسلمين"، ودواوينه كلها تفيض بالعاطفة الدينية الفوارة، وقد ذكره الشيخ يوسف القرضاوي في مذكراته وقال عنه (وكان نجم الشعر المتألق في معهد طنطا هو الشيخ إبراهيم بديوي، الذي سمي "شاعر المعهد" والذي كان له في كل مناسبة قصيدة جديدة)، والمراد أن الشيخ تفاجأ في عصره بموجة الإلحاد التي قادها بعض المفتونين بثورة العلوم والتكنولوجيا، فكتب قصيدة إيمانية حزينة طويلة، ثم توفي رحمه الله عام 1983م عن عمر يناهز الخامسة والسبعين، وحين ظهرت الصحوة الإسلامية في التسعينات صارت بعض أبيات قصيدته جزءاً رئيسياً من "أدب الصحوة" وتداولها الخطباء والوعاظ، والكثير من الناس يردد أبياته ولايعرف أنها لهذا الشاعر العظيم، رحمه الله وغفر له، ورفع الله درجته بعدد كل بيت قاله نصرة لدين الله، وأضعاف ذلك بإذن الله:
يارب هذا العصر ألحـد عندمـا *** سخـرت ياربـي لـه دنياكـا
علمته مـن علمك النـوويَّ ما *** علمتـه فـإذا بـه عاداكــا
ما كاد يطلق للعـلى صاروخـه *** حتـى أشـاح بوجهـه وقلاكـا
واغتر حتى ظن أن الكون فـي*** يمنـى بنـي الانسـان لا يمناكـا
أو ما درى الانسان أن جميع ما *** وصلت إليه يـداه مـن نعماكـا؟
لو شئت ياربي هوى صـاروخه *** أو لو أردت لما استطاع حراكــا
يأيها الانسـان مهـلاً واتئـد *** واشكـر لربـك فضـل ماأولاكـا
واسجـد لمولاك القدير فإنمـا *** مستحدثـات العلـم مـن مولاكـا
أفـإن هـداك بعلمـه لعجيبـةٍ *** تـزور عنـه وينثنـي عطفاكـا؟!
إن النـواة والالكترونـات التـي *** تجـري يراهـا الله حيـن يراكـا
مــاكنت تقـوى أن تفتـت ذرة *** منهـن لـولا الله إذ سواكــا
كـل العجـائب صنعة العقل الذي *** هـو صنعـة الله الـذي سواكـا
والعقل ليس بمـدرك شيئـا اذا *** مالله لـم يكتـب لـه الإدراكـا
لله فـي الآفـاق آيـات لعـل *** أقلهـا هـو مـا إليـه هـداكـا
ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجـاب لـو تـرى عيناكـا
والكون مشحـون بأسـرار إذا *** حاولـت تفسيـراً لهـا أعياكـا
قل للطبيب تخطفته يد الردى *** ياشافي الأمراض مـن أرداكـا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجزت فنون الطب : من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة *** مـن بالمنايـا ياصحيـح دهاكـا؟
قل للبصير وكان يحذر حفرة ***فهوى بها مـن ذا الـذي أهواكـا؟
بل سائل الأعمى خطا بين الزَّحام *** بلا اصطدام : من يقود خطاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعـى مالـذي يرعاكـا؟
قل للوليد بكى وأجهش بالبكاء *** لـدى الـولادة : مالـذي أبكاكـا؟
وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فاسأله : من ذا بالسمـوم حشاكـا؟
وأسأله كيف تعيش ياثعبان أو *** تحيـا وهـذا السـم يمـلأ فاكـا؟
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقلللشهد مـن حلاَّكـا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بيـن *** دم وفـرث مالـذي صفاكـا؟
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا *** ميـت فاسألـه: مـن أحياكـا؟
وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً *** فاسأله : مِنْ أين البياضُ أتاكا؟
وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً *** فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكـا؟
قل للنبات يجف بعد تعهـد *** ورعايـة : مـن بالجفـاف رماكـا؟
وإذا رأيت النبت في الصحراء يربو *** وحده فاسأله : من أرباكـا؟
وإذا رأيت البدر يسري ناشرا *** أنواره فاسألـه : مـن أسراكـا؟
وأسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبعد *** كلّ شـيء مالـذي أدناكـا؟
قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر مـن دون الثمـار غذاكـا؟
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى *** فاسأله : من يانخل شق نواكـا؟
وإذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النـار: مـن أوراكـا؟
وإذا ترى الجبل الأشم منا طحاً *** قمم السحاب فسله من أرساكـا؟
وإذا رأيت النهر بالعذب الزلال *** جرى فسله؟من الذي أجراكـا؟
وإذا رأيت البحر بالملح الأجاج *** طغى فسله: من الـذي أطغاكـا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله : من ياليـل حـاك دجاكـا؟
وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً *** فاسأله: من ياصبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها *** عينـاك وانفتحـت بهـا أذناكـا
والله في كل العجائب ماثـل *** إن لـم تكـن لتـراه فهـو يراكـا؟
يـا أيهـا الإنسـان مهـلا مالـذي *** بالله جـل جلالـه أغراكـا؟
حاذر إذا تغزو الفضاء فربمـا *** ثـأر الفضـاء لنفسـه فغزاكـا؟
اغز الفضـاء ولا تكـن مستعمـراً *** أو مستغـلا باغيـا سفاكـا
إياك ان ترقى بالاستعمار فـي *** حـرم السمـوات العـلى إياكـا
إن السموات العلى حـرم طهـور *** يحـرق المستعمـر الأفاكـا
اغز الفضاء ودع كواكبـه سوابـح *** إن فـي تعقيبهـن هلاكـا
إن الكواكب سوف يفسد أمرها *** وتسـيء عقباهـا إلـى عقباكـا
ولسوف تعلم أن في هذا قيـام *** الساعـة الكبـرى هنـا وهناكـا
أنا لا أثبط من جهود العلم أو *** أنا في طريقك أغـرس الأشواكـا
لكنني لـك ناصـح فالعلـم إن *** أخطـأت فـي تسخيـره أفناكـا
سخر نشاط العلم في حقل الرخاء *** يصغ من الذهب النضار ثراكا
سخـره يمـلأ بالسـلام وبالتعـاون *** عالمـاً متناحـراً سفـاكـا
وادفع به شر الحياة وسوءهـا *** وامسـح بنعمـى نـوره بؤساكـا
العلـم إحيـاء وإنشـاء وليـس *** العلـم تدمـيـراً ولا إهـلاكـا
فإذا أردت العلم منحرفاً فما *** أشقـى الحيـاة بـه ومـا أشقاكـا