من هدي الرسول في شعبان
الشيخ علي مختار
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد :
فقد كان من هدي النبي الصيام في شهر شعبان ؛ لأن هذا الشهر يغفل الناس عن صيامه؛ لأنه يأتي بين شهر الله الحرام رجب وشهر رمضان .. فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال : قلت : يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان. فقال : " ذاك شهر تغفل الناس فيه عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم " [1].
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " كان رسول الله يصوم حتى نقول : لا يفطر، ويفطر حتى نقول : لا يصوم، وما رأيت رسول الله استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صيامًا منه في شعبان " [2].
وفي رواية لمسلم : " كان يصوم شعبان إلا قليلاً
". وقد رجح طائفة من العلماء منهم ابن المبارك وغيره أن النبي لم يستكمل
صيام شعبان، وإنما كان يصوم أكثره، ويشهد له ما في صحيح مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - قالت : " ما علمته - تعني النبي - صام شهرًا كله إلا رمضان ". وفي رواية له أيضًا عنها قالت : " ما رأيته صام شهرًا كاملاً منذ قدم المدينة إلا أن يكون رمضان ".
حسن الاستعداد لشهر رمضان :
إن شهر رمضان شهر الخير والإقبال على الله سبحانه، فكان إذا دخل رجب دعا الله أن يبلغه شهر رمضان فيقول : " اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبَلِّغنا رمضان "
والحديث قد يكون ضعيفًا ، لكن الدعاء مشهور دعا به السلف الصالح، اللهم بلغنا رمضان.
فشهر رمضان يزهو بفضائله على سائر الشهور، فهو شهر القرآن
والتوبة والمغفرة والصبر والمجاهدة والجهاد، أبواب الرحمة فيه مفتوحة،
والشياطين ومردة الجن مصفدة مغلولة، فيه ليلة خير من ألف شهر، والسعيد من
صامه وقامه إيمانًا واحتسابًا، فلا بد من حسن استقباله.
ومن فوائد الصوم في شعبان أنه
كالتمرين والتعويد على صيام رمضان؛ لئلا يصعب عليه صوم رمضان ويشعر
بالمشقة والتعب، بل يكون قد تمرن على الصيام واعتاده، فيدخل رمضان بقوة
ونشاط .
وكذلك ينبغي التهيؤ بالإكثار من العمل الصالح في شعبان
: من القيام، وقراءة القرآن، والصدقة.. وفي هذا تدريب للمسلم على
المنافسة في الأعمال الصالحة، وتعويد لنفسه وتهيئة لها؛ لكي تزداد عملاً
واجتهادًا في رمضان.
الصيام في آخر شعبان :
ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي قال لرجل : "هل صمت من سَرَر هذا الشهر شيئًا؟ قال : لا. قال : فإذا أفطرت فصم يومين ".
وفي رواية البخاري : أظنه يعني رمضان. وفي رواية لمسلم : " هل صمت من سَرَر شعبان شيئًا؟".ومعنى السَّرار : أي آخر الشهر. فإن قال قائل : قد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة ،عن النبي قال : " لا تقدموا رمضان بيوم أو يومين، إلا من كان يصوم صومًا فليصمه " [4].
فكيف نجمع بين حديث عمران وفيه الحثُّ على الصوم وبين حديث المنع؟
فالجواب : قال كثير من العلماء : إن هذا الرجل الذي سأله النبي كان يعلم أن له عادة بصيامه، أو كان قد نذره، فلذلك أمره بقضائه.
وقيل في المسألة أقوال أخرى، وخلاصة القول
: إن حديث أبي هريرة -السالف الذكر- هو المعمول به عند كثير من العلماء،
وأنه يكره التقدم قبل رمضان بالتطوع بالصيام بيوم أو يومين لمن ليس له به
عادة، ولا سبق منه صيام قبل ذلك في شعبان متصلاً بآخره.
فإن قال قائل : لماذا يُكره الصيام قبل رمضان مباشرة (لغير من له عادة سابقة بالصيام)؟ فالجواب أنّ ذلك لمعانٍ منها :
أحدها :
لئلاّ يزاد في صيام رمضان ما ليس منه، كما نهى عن صيام يوم العيد لهذا
المعنى؛ حذرًا مما وقع فيه أهل الكتاب في صيامهم، فزادوا فيه بآرائهم
وأهوائهم. ولهذا نهى عن صيام يوم الشك ، قال عمار : من صامه فقد عصى أبا القاسم. ويوم الشك
: هو اليوم الذي يشك فيه هل هو من رمضان أم لا؟ وهو الذي أخبر برؤية
هلاله من لم يُقبل قوله. وأما يوم الغيم: فمن العلماء من جعله يوم شك ونهى
عن صيامه.
المعنى الثاني : الفصل بين صيام الفرض والنفل، فإن جنس الفصل بين الفرائض والنوافل مشروع؛ ولهذا حرم صيام يوم العيد.
وأما حديث : " إذا انتصف شعبان فلا تصوموا " فضعيف، والله أعلم .
الاحتفال بليلة النصف من شعبان :
واعلم - رحمك الله تعالى - أنه ليس هناك حديث ثابت في تخصيص الصيام من النصف من شعبان أو قيامه، وعليه فإن تخصيصه بصيام أو صلاة بدعة منكرة لا دليل لها، أفاده الإمام ابن رجب
- رحمه الله تعالى - في كتاب اللطائف (ص341 ط دار إحياء الكتب العربية)
أن في سنن ابن ماجه (1388) بإسناد ضعيف عن علي - رضي الله عنه - أن النبي قال : " إذا كان ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها، وصوموا نهارها، فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلى سماء الدنيا فيقول : ألا من مستغفر لي فأغفر له، ألا مسترزق فأرزقه، ألا مبتلى فأعافيه، ألا كذا، ألا كذا حتى يطلع الفجر ". وهذا الحديث حَكَم عليه صاحب المنار بالوضع، حيث قال ( ص226 في المجلد الخامس من مجموع فتاويه ): والصواب أنه موضوع.
وبناءاً على ذلك
، فإن صيام يوم النصف من شعبان بخصوصه ليس بسنة؛ لأن الأحكام الشرعية لا
تثبت بأخبار دائرة بين الضعف والوضع باتفاق علماء الحديث، اللهُمَّ إلا أن
يكون ضعفها مما ينجبر بكثرة الطرق والشواهد، حتى يرتقي الخبر بها إلى
درجة الحسن لغيره، فيعمل به إن لم يكن متنه منكرًا أو شاذًّا. وإذا لم يكن
صومه سُنَّة كان بدعة؛ لأن الصوم عبادة، فإذا لم تثبت مشروعيته كان بدعة،
وقد قال النبي :
" كل بدعة ضلالة " [5].
وقد وردت في فضل ليلة النصف من شعبان أخبار، قال عنها ابن رجب في اللطائف بعد ذكر حديث عليٍّ السابق : إنه قد اختلف فيها، فضعفها الأكثرون، وصححها بعضهم مثل ابن حبان المعروف بالتساهل في التصحيح. ومن أمثلتها حديث عائشة - رضي الله عنها- وفيه : "أن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى سماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم ***"[6].
وذكر الترمذي أن البخاري ضعَّفه، ثم ذكر ابن رجب أحاديث بهذا المعنى وقال : " وفي الباب أحاديث أخرى فيها ضعف ". وذكر الشوكاني أن في حديث عائشة المذكور ضعفًا وانقطاعًا .
وذكر الشيخ عبد العزيز بن باز
- رحمه الله تعالى - أنه ورد في فضلها أحاديث ضعيفة لا يجوز الاعتماد
عليها، وقد حاول بعض المتأخرين أن يصحِّحها لكثرة طرقها ولم يحصل على طائل،
فإن الأحاديث الضعيفة إذا قدر أن ينجبر بعضها ببعض فإن أعلى مراتبها أن
تصل إلى درجة الحسن لغيره، ولا يمكن أن تصل إلى درجة الصحيح، كما هو معلوم
من قواعد مصطلح الحديث.
اشتهر عند كثير من الناس أن ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام.
وهذا باطل؛ فإن الليلة التي يقدر فيها ما يكون في العام هي ليلة القدر، كما قال الله تعالى : {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [الدخان: 1-4]. وهذه الليلة التي أنزل فيها القرآن هي ليلة القدر، كما قال تعالى: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر: 1]، وهي في رمضان؛ لأن الله تعالى أنزل القرآن فيه، قال تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة: 185]. فمن زعم أن
ليلة النصف من شعبان يقدر فيها ما يكون في العام، فقد خالف ما دلَّ عليه
القرآن في هذه الآيات. وبعض الناس يصنعون أطعمة في يوم النصف يوزعونها على
الفقراء ويسمونها عشيات الوالدين، وهذا أيضًا لا أصل له عن النبي، فيكون تخصيص هذا اليوم به من البدع التي حذَّر منها رسول الله، وقال فيها : " كل بدعة ضلالة "................
[1] حديث صحيح ، رواه أبو داود والنسائي.[2] رواه البخاري ومسلم.[3] رواه أحمد والبيهقي.[4] أخرجه البخاري ومسلم.[5] أخرجه مسلم (867) من حديث جابر رضي الله عنه.[6] أخرجه الإمام أحمد (26018)، والترمذي (739)، وابن ماجه (1389).